Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

56

  • كْريستوفر ُروسْ،خيارات المرحلة المقلة

     

     

                                     المغرب والبوليجزائر: خيارات المراحل المقبلة

     

    شأنه شأن التقارير الأممية السابقة، صدور التقرير ألأممي الأخير و بكل حيثياته لا يعني بالضرورة نهاية حاسمة للصراع حول الصحراء، وإنما فترة لالتقاط الأنفاس من اجل مواصلة السباق نحو  كسب المزيد من الرهانات الجديدة. ومن ثم  فحينما يتعلق الأمر بقضية الصحراء فغالبا ما ينظر إلى الهدوء  الذي يسود مرحلة ما بعد صدور قرارات مجلس الأمن، بالهدوء النسبي الذي يسبق العاصفة، كل الإشارات تدل على أن الجولة الموالية بقدر ما ستكون مختلفة، لن تكون هينة بحكم طبيعة الخيارات والإكراهات التي تتحكم في توجهات المرحلة القادمة .

    انتهت الجولة السابقة كغيرها من الجولات الأخرى ويمكن الجزم بأنها لم تأتي  بجديد يذكر بقدر ما حافظت على التوازن المفترض و الذي كانت عليه القضية في ما سبق، وهو أمر تعتبره العديد من الأطراف ايجابيا على اعتبار انه قد لا يؤثر بشكل كبير، بل قد يخدم في جزء منه بعضا من الاستراتيجيات والأجندات السياسية لبعض من هذه الأطراف، سواء منها المرحلية آو المستقبلية.

    البوليساريو وان لم تحقق رغبتها في حث المجتمع الدولي على خلق آلية لمراقبة حقوق الإنسان في منطقة النزاع عبر توسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة في الصحراء مينورسو، فإنها بالمقابل لم تخسر الكثير بحكم أن هذا الخيار قابل للتجدد ويدخل ضمن إستراتجية طويلة المدى أسست لها الجبهة مند نهاية التسعينات وما يليها من سنوات الألفية الجديدة, ولا يمكن الجزم بأن البوليساريو قد تأذت كثير بسبب إخفاقها في تحقيق هذا المنال بحكم أنها لازالت تؤمن بأن هناك فرصا لتحقيق رهانات قادمة ، غير أن قيادتها وبالتأكيد قد تضررت على مستوى التأييد الشعبي الذي تتلقاه من داخل مخيمات اللجوء وغيرها بسبب مغالاتها في التأكيد على انتزاع انتصارا ت محققة تتعلق بمسالة حقوق الإنسان في منطقة النزاع، وهو أمر أطاح  بأسهم العديد من قيادييها، وخلق البلبلة في صفوفهم بسبب عدم قدرتهم على  إيجاد مبررات مقنعة لإخفاقاتهم الأخيرة بخصوص محصلة التقرير الأممي وقرار مجلس الأمن.

    العديد من الأطراف المؤثرة في مسار النزاع يهمها أن لا يتجاوز الوضع سقف ما هو عليه في الوقت الراهن، لان أي نوع من  التجاوز يمكن أن يريك حساباتها المرتبطة بأن يبقى الوضع على ما هو عليه مادامت قناة المفاوضات موجودة لتصريف الأزمة.  فرنسا لا يخدمها في شيء أن يتضرر حليفها التقليدي المغرب، وحياد الولايات المتحدة يخدمها في أن تبقى على مسافة معقولة من الطرفين لكسب ودهما أو على الأقل تجنب عدائهما، خدمة لمصالحها المرتبطة بكل من الطرفين الأساسين في استراتيجياتها الإفريقية وهما المغرب والجزائر الداعمة لجبهة البوليساريو,

    التحضير لمفاوضات مباشرة والدخول فيها لن يكون بالأمر الهين، ومهما يكن فان مسار المفاوضات سيكون شاقا ومتعبا وربما غير مجدي بالنسبة لجل الأطراف بحكم تباعد الرؤى و القناعات، غير انه يظل بمثابة صمام الأمان للتحكم في الأوضاع وامتصاص التوتر وخلق التوازن بين مختلف التجاذبات المفتوحة على كل احتمالات تفجر الوضع في مناطق التأزم، ومن ثم فان الانتظار و بالضبط انتظار نتائج المفاوضات يظل خيارا لا يمكن لأطراف النزاع أن تراهن عليه إلى الأبد لكسب رهاناتها وربما هذا ما يدفعها للدخول في خيارات قد تكون أكثر قدرة على تغيير معادلة الصراع,

    المغرب من جهته راهن على ورقة الحكم الذاتي باعتباره مشروعا يؤسس لمفهوم السلام المأمول، والجبهة تراهن على الورقة الحقوقية لكسب المزيد من الضغط على المغرب ومحاولة إضعاف موقفه أمام الرأي العام الدولي لتغيير مواقفها من المغرب، غير أن  هذه الرهانات تظل جلها مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها النجاح والتعثر,

    كل الأطراف أمامها رهنات صعبة في المرحلة القادمة، المغرب في ما مضى كان يراهن على مواقف الدول الصديقة لتأمين تحركاته، والجبهة تلعب على عامل الوقت وتأمل في تغير هذه المواقف لتغيير موازين القوى، غير أنه في اغلب الأحوال لا يمكن التعويل على عامل الزمن بالمطلق بالنسبة لكلا الطرفين . تواتر الزمن بالنسبة للبوليساريو يعري من نقاط ضعفها ويعمق عوامل اليأس داخل صفوفها خصوصا بعد الانقسامات التي بدأت تطال كوادرها والنزيف البشري من داخل المخيمات قي اتجاه ما وراء الحدود.

    الحرب أيضا خيار متجاوز وغير واقعي في الوقت الراهن بسبب طبيعة المرحلة والتوجه الدولي الراهن نحو مساعي السلام ورفضه لخيار السلاح، ورقة العودة إلى الحرب تظل مجرد تكتيك ظرفي بالنسبة للجبهة غير أن التلويح بها في كل مرة سيشكل مع التوالي إحراجا لها أمام الرأي العام الدولي وتأكيدا لرفضها مواصلة التمسك بالخيارات السلمية.

    عامل الزمن قد لا يخدم مصلحة المغرب أيضا في مراحل لاحقة، على اعتبار انه لا يمكن الاعتماد على مواقف الدول الحليفة كخيار استراتيجي وثابت، وربما هذا هو ما يدفعه للجوء إلى خيارات أكثر جرأة مرتبطة في جوهرها بالمكون البشري الصحراوي.

    البوليساريو لم تكن أيضا وأبدا بمنأى  عن هذا النوع من الخيارات على اعتبار أنها استهدفت في كل استراتيجياتها السابقة - وربما اللاحقة - العنصر البشري بالدرجة الأولى، لقناعتها بأهميته وقدرته على تغيير موازين القوى لفائدة طرف دون الآخر، وذلك من خلال الدفع بمناصريها من الحقوقيين في محاولة استقطاب ما يمكن استقطابه من الأصوات  لتحريك ما تراه الجبهة جمودا لا يخدم مصلحتها في شيء.

    البوليساريو من خلال هذا الفعل تحاول كسب المزيد من التأييد العلني لتعزيز شرعيتها أمام الرأي العام الدولي والمحلي خصوصا أن حدود هذا التأييد في منطقة النزاع لم يعد يتجاوز دائرة الموالين لها من الحقوقيين وهو أمر يقلق الجبهة على اعتبار أنه يقوي الشكوك حول تراجع قدرتها و دورها في المعادلة السياسية.

    ما هو محتمل إذن هو أن الجبهة لن تتجاوز سقف المراهنة على الورقة الحقوقية ولن تضطر لابتكار بدائل جديدة بعيدا عن المنظور الحقوقي وهو أمر مفهوم على اعتبار أنها الورقة الأكثر إحراجا للمغرب في جل الأوقات. المغرب من هذا المنطلق أمامه خيارات صعبة لمواجهة أي أزمة مستقبلية محتملة، و من هنا يتضح سبب رهانه على الحكم الذاتي واعتباره بمثابة صمام الأمان لمواجهة أي معضلة قي هذا الإطار.

     من هنا إذن يبدوا أن المغرب قادم لا محالة على تنفيذ خيار الحكم الذاتي وان بشكل منفرد ومتأني. الحكم الذاتي خيار مطروح على طاولة المفاوضات بين المغرب و جبهة البوليساريو، والمغرب يدفع به كأرضية للتفاوض لا يمكن أن تتجاوز مبدأ السيادة وهو أمر يتعارض مع توجهات البوليساريو التي ترفض أي خيار لا يفضي إلى تقرير المصير.

    إقدام المغرب على أجرأة و تفعيل آليات المشروع وان من جانب واحد  نابع من قناعته بكونه الخيار الأكثر أمانا في الوقت الراهن والأكثر قدرة على استقطاب  من يستهدفهم من الصحراويين، بالإضافة إلى أهميته في كسب المزيد من المواقف الدولية التي يرتبط تأييدها بمدى نجاعة المشروع ونجاحه.

    الحكم الذاتي المغربي مشروع يستهدف المكون البشري الصحراوي بالدرجة الأولى، ومن ثم فانه سيحاول العمل على ملامسة مشاكل وتطلعات كل التشكيلات البشرية التي يسعى إلى ضم أصواتها وهو أمر ليس باليسير بحكم تعارض التوجهات والرؤى بين مختلق الفئات الصحراوية، ومن ثمة فان هذا الخيار لا يحتمل أي نوع من المجازفة أو الخطأ لأنه خيار من الوزن الثقيل وقادر على قلب معادلة الصراع في اتجاه طرف دون الأخر في حالة ما إذا أحسن أو أسيء استعماله

                                                                                            

                                             لابد للجزائر أن تخضع للإرادة الدولية

    المفاوضات الغير المباشرة التي انتهت بين طرفي النزاع في قضية الصحراء، لم تتوصل إلى حل يفضي إلى طي ملف القضية نهائيا، وأي نتائج سلبية لن تكون فشلا لطرفي النزاع فحسب، بل فشلا للمجتمع الدولي، وهو الشيء الذي لم ولن تسمح به الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، إذن لا يمكن للمفاوضات المباشرة المقبلة أن تخفق مهما كان الأمر، وهنا بالضبط تكمن عقدة هذه المفاوضات الجوهرية، فلا خيار إلا التوصل لحل يطوي الملف نهائيا وبدون رجعة.

    أين تكمن صعوبة المفاوضات؟

    إن صعوبة المفاوضات لا تكمن بالأساس في قابلية الحلول المقترحة للتطبيق أو عدم قابليتها، وإنما تكمن في كون البوليساريو، مع الأسف الشديد، لا تمتلك سلطة القرار والتقرير في قضية تهم الصحراويين، وإنما مازال من المفروض عليها الخضوع لما يريده جنرالات الجزائر.

    مهما قيل بخصوص صعوبات المفاوضات، سواء في جولاتها الأولى أو بخصوص جولاتها الا خيرة اوالتي من المتوقع ان تبدأ خلال منتصف الصيف فإن السكة التي ستؤدي إلى المآل، مرسومة مسبقا، لا يمكن الانحراف عنها قيد أنملة، ومآلها الأكيد، مهما كانت الظروف، هو: نهاية البوليساريو واعتماد مقترح البيت الأبيض إذا اتفق الطرفان أن لا يتفقا.

    حرب التصريحات

    بعد نهاية الجولة الا خيرة من المفاوضات انطلقت مباشرة حرب التصريحات.

    إن تصريحات قادة البوليساريو لا تخرج عن نطاق مفهوم المشروعية الدولية ومبدأ حق تقرير المصير ورفض الاحتلال وإعطاء الكلمة "للشعب الصحراوي" للاختيار، في حين تركز تصريحات المسؤولين المغاربة على فحوى مقترح الحكم الذاتي كأنجع سبيل وأضمن مخرج لطي ملف الصحراء نهائيا، وذلك باعتباره عرضا شاملا غير قابل للانتقاء، وهو الإطار الوحيد الممكن للمفاوضات ونقطة الوصول الحتمية لمسلسل تلك المفاوضات.

    لم يكشف الطرفان، المغربي وقادة البوليساريو، على أي معطى بخصوص التحضيرات للجولة المقبلة. هذا في وقت يعطي فيه مجلس الأمن الأسبقية للمقترح المغربي مع محاولة توليفه جزئيا بموقف البوليساريو، إذ وصف المبادرة المغربية بالمنطقة بالجدية القابلة للإغناء في إطار التفاوض التوافقي، علما أنها تنص على طرح الحكم الذاتي على السكان المعنيين خلال استشارة استفتائية حرة وفقا للشرعية الدولية ومبدأ الحق في تقرير المصير، كسبيل للم شمل كل الصحراويين وإنهاء المأساة الإنسانية التي دامت أكثر من ثلاثة عقود.

    وأخيرا اهتمت واشنطن بملف الصحراء

    إن المتتبع لموقف البيت الأبيض من قضية الصحراء، يلاحظ أنه كان يعتمد في البداية عدم الاهتمام واللامبالاة بالأمر، إلا أنه مع اعتبار "التصدي للإرهاب" من الأوليات، اتجه اهتمام العم سام بالمنطقة، إلى أن وصل به الأمر إلى الإقرار بضرورة فض ملف الصحراء قبل حلول نهاية سنة 2012 مهما كان مآل المفاوضات.

    .

    أكد أكثر من مصدر أمريكي وازن أن واشنطن عازمة على طي ملف الصحراء قبل حلول 2012 مهما كانت الظروف، ولو تطلب ذلك تدخلا مباشرا من طرفها وفرض حلا على جميع الأطراف المعنية.

    وحسب آخر التطورات، إذا لم تنجح المفاوضات بين الطرفين كما هو منتظر من طرف البيت الأبيض، من المحتمل جدا أن تفرض الولايات المتحدة حلها الرامي إلى حكم ذاتي فيدرالي شبيه بالنمط الأمريكي مع صلاحيات تفوق الحد الذي رسمه مقترح الحكم الذاتي بالتصور المغربي، لكن دون أن يتجاوز حدود السيادة؛ وكل المؤشرات البارزة إلى حد الآن تفيد أن هذا هو الحل الذي سيفرض في نهاية المطاف على الطرفين حتى لا يبدو أحد الأطراف قد انتصر على الطرف الآخر، علما أن حل الاستفتاء أمر غير ممكن اعتبارا للصعوبات الجمة المرتبطة بتطبيقه بعد تراكم مشاكل 35 سنة من عمر إشكالية الصحراء، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لا أحد الآن، سواء على الصعيد الإقليمي أو القاري أو الدولي، يقبل إحداث دويلة ضعيفة بالمنطقة تكون بؤرة للإرهاب أو لقمة سائغة له، ومن جهة ثالثة، وهذا أمر إيجابي بالنظر إلى تموقع المغرب، تبين بجلاء حاليا بأن الجزائر طرف معني حتى النخاع في قضية الصحراء، لاسيما الحكام العسكريين (الجنرالات) الذين لازالوا يكنون حقدا عميقا للمغرب. وهناك أكثر من حادثة تبين حقد الجنرالات الجزائريين الدفين على المغرب، ولعل أبرز المواقف التي كشفت هذا الحقد موقفهم بمناسبة حادثة جزيرة ليلى، باعتبار أن الهدف الذي ظل يحركهم هو إضعاف المغرب ولو دعا ذلك إلى التحالف مع الشيطان، ومن جهة أخرى، وهذا ما أحرج الحكام العسكريين الجزائريين، أن الاقتراح الذي تقدم به المغرب، شكل أول اقتراح واقعي برغماتي قابل للتطبيق حالا، وجاء المقترح الأمريكي لتقوية الاقتراح المغربي، في حين أضعف، إلى حد اللفظ، مقترح البوليساريو والموقف الجزائري المتستر.....

    لقد حكم الرئيس الامريكي السابق جورج بوش بالإعدام على جبهة البوليساريو، إن هي لم تعدم نفسها بنفسها بالاتفاق على حل نهائي لقضية الصحراء، بعيدا عن الإقرار بالجمهورية الصحراوية قبل متم سنة 2012 على أبعد تقدير، فإن الولايات المتحدة ستتكلف بذلك لأن العم سام أضحى يرى أن استمرار نزاع الصحراء يعرقل حربه "المقدسة" على الإرهاب، وهذا أمر لن يتساهل بصدده مهما كانت نتائج المفاوضات، أحب من أحب وكره من كره ومهما كان موقعه أو ثقله في المنطقة أو في العالم. إذن منطوق الحكم الأمريكي قد صدر، وبذلك يكون معطى أساسيا في التأثير على مآل بقية المفاوضات بين المغرب والبوليساريو، أي عدم الخروج على الهامش الذي حدده مسبقا البيت الأبيض والبانتاغون، هذا ما يجب فهمه الآن.

    إن واشنطن تسعى إلى طي ملف الصحراء نهائيا وبسرعة للمزيد من تفعيل التعاون بين دول شمال إفريقيا لمساعدتها في محاربة الإرهاب في المناطق الحدودية المتاخمة للصحراء، ذلك أحد المحددات الأساسية للموقف الأمريكي في الظرف الراهن.

    بالرغم من كل شيء تظل إشكالية الطاقة، لاسيما البترول، كامنة وراء التغيير الذي حدث على موقف واشنطن بخصوص قضية الصحراء، وذلك باعتبار أن الولايات المتحدة تسعى إلى التحكم في مصادر البترول بإفريقيا، ولن يتأتى لها ذلك إلا بضمان الاستقرار بمنطقة شمال إفريقيا، وهذا بدوره يستوجب طي ملف الصحراء نهائيا وفي أسرع وقت، لهذا أضحى الأمر مستعجلا في نظر واشنطن، فإما التوصل إلى حل نهائي متوافق عليه، وإما أن الولايات المتحدة ستتولى الأمر بنفسها حسب ما تراه.

    ماذا عن البوليساريو؟

    مازال موقف البوليساريو رهينا بتحكم جنرالات الجزائر في استمرار وجودها، لذا فإن المواقف المعلن عنها بخصوص الرأي المنطلق منه في المفاوضات، مازال فضفاضا ومتأثرا بمنظور الجنرالات، حيث تحوم حوله تخريجات تبدو صحيحة في شكلها لكنها غير قابلة التطبيق على أرض الواقع بفعل التطورات.

    فلا زالت مواقف محمد عبد العزيز، المعلن عنها إلى حد الآن، تسبح بعيدا عن الواقع وتتجول في عالم "جمهورية أفلاطون" ولا تخرج على القول بأن "الجبهة مستعدة للموافقة على أي خيار للشعب الصحراوي، بما في ذلك المقترح المغربي في إطار استفتاء حر وديمقراطي تحت إشراف الأمم المتحدة".

    وبجانب هذا الموقف، هناك موقف التهديد بالعودة إلى الكفاح المسلح والذي لم يعد يعيره أحد أي اهتمام باعتباره مجرد كلام ليس إلا في الظرف الحالي. وعندما يشتد الخناق على قادة الجبهة يصبح الموقف هو: "الصحراويون ليست لديهم عقدة من الحكم الذاتي شريطة أن يكون ذلك خاضعا لاستفتاء شعبي".

    يرى أغلب المحللين أن موقف قادة البوليساريو لم يتغير حتى الآن، ولم يظهر أدنى مؤشر على استغلال المفاوضات كفرصة سانحة لوجود مخرج، رغم أنهم أصبحوا في وضعية يصعب معها سلك زمام الأمور في مخيمات تندوف و الحمادة، إذ لم يعد أمامهم إلا التفكير بجدية في تنازلات تضمن دم وجوههم وإلا سيكونوا قد فرطوا في موعد مع التاريخ لن يصادفوه ثانية بعد الآن.

    كما يؤكد هؤلاء المحللين أن اي بشارة تقارب مستقبلا بين المغرب والجزائر من جهة، ووضوح الموقف الأمريكي بخصوص قضية الصحراء، بطريقة لم يسبق لها مثيل، تفيد أن وجود جبهة البوليساريو دخل مرحلة العد العكسي وأن أيامها أضحت معدودة لن تتجاوز سنة ونصف على أبعد تقدير، حيث أضحى من شبه المؤكد أنه لن نسمع بالحديث عن البوليساريو مع حلول نهاية2012على أبعد تقدير.

    منذ 1975 لم تتمكن جبهة البوليساريو من اقتراح أي حل "واقعي"، قابل للتطبيق حالا، على سكان مخيمات تندوف و الحمادة، وهذا ما جعل شعبيتها بينهم تتضاءل بفعل استفحال مشاكل الحياة اليومية وصراعات المصالح بين قادتها تحسبا لكل طارئ مفاجئ، وقد تزامن هذا الوضع مع سيرورة سحب اعتراف جملة من الدول للجمهورية الصحراوية؛ في هذا الوقت بالذات هددت البوليساريو بالعودة إلى تفعيل السلاح بالمنطقة، وهو موقف لا يتلاءم بالمرة مع التطورات التي انساقت فيها المنطقة، الشيء الذي يجعل قادة البوليساريو مطوقين من كل جانب، لا خيار أمامهم إلا محاولة تفعيل سيرورة التوصل إلى حل توافقي.

    تعيش جبهة البوليساريو حاليا أضعف فترات وجودها بفعل زواجها الكاثوليكي مع جنرالات الجزائر المسكونين بهاجس تكبيل المغرب بالمشاكل حتى لا يتفرغ لتنميته الداخلية، ولولا بعض المساعدات الأمريكية لما تمكن سكان مخيمات تندوف و الحمادة من الحصول على لقمة عيش يسدون بها رمقهم، فمن المعلوم أن وزارة اللاجئين والهجرة الأمريكية قدمت مؤخرا مساعدة بلغت 4.7 مليون دولار (ما يناهز 48 مليون درهما) في إطار برنامج الغذاء العالمي التابع لهيئة الأمم المتحدة المخصص لإفريقيا.

    لكن، ماذا عن الجزائر؟

    رغم عدم مساهمتها في المفاوضات كطرف، إلا أن الجزائر ظلت دائما معنية بقضية الصحراء، وأضحت على يقين الآن بأن المغرب لن يتخلى عن الصحراء مهما كان الأمر. وبالرغم من أنها قطعت أشواطا في مجال إعادة تسليح جيشها، لا يمكنها بأي وجه من الوجوه الدخول في حرب مع المغرب، لأن واشنطن بكل بساطة لن تسمح بذلك، وتلك من أسباب اهتمام العم سام بالصحراء حاليا أكثر من أي وقت مضى، علاوة طبعا، على حضور إفريقيا ضمن الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بالطاقة، لأنه بحلول سنة 2020 ستجلب 25 في المائة من حاجياتها للبترول من إفريقيا، هذا دون نسيان ضرورة ضمان أمن نقل المواد الأولية، وفي هذا المضمار يفضل البيت الأبيض التعامل مع المغرب العربي، وليس مع كل بلد مغاربي على حدة.


    .. وما موقع جنرالات الجزائر؟

    إن الهاجس الذي ظل يسكن جنرالات الجيش ليس هو قضية الصحراء و"شعبها" ومبدأ تقرير المصير كما يحاولون إظهار ذلك، ولكن ما يهمهم هو عدم تمكين المغرب من الاستقرار للتفرغ للتنمية الداخلية، باعتبار أن سيادة الاستقرار بالمنطقة وانطلاق سيرورة التنمية بدون عرقلة آلياتها سيجعل المغرب يتموقع بقوة في المنطقة وهذا أمر لا يقبلون به إطلاقا، علاوة على أن سيادة الاستقرار السياسي والاقتصادي للمنطقة سيهدد مواقعهم في السلطة بالجزائر، وهو ما يرهبهم أكثر من أي شيء آخر، لذا سيظلوا متشبثين بورقة البوليساريو "كقشة" تطفو على الماء، إلى آخر رمق، لإنقاذهم من طوفان سيادة الاستقرار بالمنطقة الذي يخشون انعكاساته على مواقعهم فوق خريطة السلطة بالجزائر، لذا سبق لأحد المحللين السياسيين أن صرح قائلا، إنه لن يستقيم الأمر بالمنطقة إلا بتنحية العسكريين من سدة الحكم بالجزائر، باعتبار أن مصلحتهم الآنية والبعيدة، تستوجب بالضرورة عدم الاستقرار بالمنطقة، وكلما شعروا بتفعيل الاتجاه نحو ترسيخ دعائم الاستقرار عملوا على افتعال مشاكل لإبطال هذا المنحى، وهذا مسار أضحى يضرب بقوة، في الصميم، حتى المصالح الضيقة لقادة البوليساريو المتحركين تحت رحمة جنرالات الجزائر.

    هؤلاء الجنرالات يعلمون، علم اليقين، أن الاستقرار والسلم بشمال إفريقيا مرهونان بإنهاء عاجل لمشكلة الصحراء، وهنا مكمن خوفهم، ولا خيار أمامهم إلا العمل، بكل ما أتوا من قوة ومكر، لكي يستمر الوضع على ما هو عليه، إذا لم يتمكنوا من تصعيد وتيرة التوتر من خلال إجبار قادة البوليساريو على التمسك بخيار الاستقلال كاستراتيجية غير قابلة للنقاش حتى آخر رمق، رغم أنه بمثابة انتحار أكيد، بجميع المقاييس، ولا يخدم مصالحهم، لذلك تظل لازمة محمد عبد العزيز هي: "إذا تعذر الخيار السلمي سنستعمل حقنا المشروع والمتمثل في الكفاح المسلح، ولنا تجربة في هذا المجال"، علما أن هذا الكلام في مثل هذه الظروف السائدة عالميا وإقليميا، مجرد هراء وغباء سياسي يخص الجبناء، ولن تتمكن البوليساريو من إطلاق ولو رصاصة واحدة، لأن الرياح تهب في اتجاه ليس في صالح الجنرالات الجزائريين
    .

    إن ما يخيف هؤلاء أيضا، الإقرار بأن الجزائر طرف في قضية الصحراء، لذا ظل قادة جبهة البوليساريو يسلكون طريق محاولة إظهار أن المغرب "يدعي" تورط الجزائر في هذا الملف، وقد كلفهم الجنرالات بالعزف على وتر إبعاد الجزائر كطرف فاعل في الملف، على اعتبار أن الإقرار بذلك سيكشف موقفهم الحقيقي من الصراع الإقليمي والجهوي والأهداف الحقيقية التي تحركهم لاستدامة وضع "لا استقرار" بالمنطقة.

    فكل المؤشرات تفيد أن العم سام قرر حل قضية الصحراء وطي ملفها نهائيا قبل نهاية 2012على أكبر تقدير. وتدعم كل من إسبانيا وفرنسا و بريطانيا الموقف الأمريكي، وهو حل يستوجب نهاية جبهة البوليساريو في إطار حكم ذاتي واسع النطاق.