تسلسـل تاريخي، لوضعية الحدود المغربية- الجزائرية،
تسلسـل تاريخي، لوضعية الحدود المغربية- الجزائرية،
الجنوب الشرقي للملكة المغربية،
الشرق، مكناس- تافيلالت
مدخل:
بقي للمغرب أراضي محتلة من طرف فرنسا بعد استقلاله سنة 1956 بالجنوب الشرقي للمملكة، كانت فرنسا قد اقتطعنها منه و ضمتها إلى الجزائر الفرنسية سنــة 1903. ودلك في افق عرض الحماية على المغرب ، وبعد انهاء هذا العقد، أصبحت تلك الأراضي، لا هي لجزائر ما قبل1830..، ولا هي للمغرب المستقل، وقد كان يبدو لفرنسا توظفها ، كورقة ضغط على هدا الجانب أو ذلك، أو لغرض آخر، بعد حرقة خروجها مبكرا من المغرب. لم يغفل المغرب المستقل هذا الأمر، بل، وفي خضم نشوته بالاستقلال، عبر عن رغبته في استعادة أراضيه. إلا أن حرب التحرير الجزائرية حا لت دون ذلك، فاجل استرجاعها إلى حين استقلال الجزائر.
كان المغرب يظن- وعن حسن نية- انه سيجد في الجزائر المستقلة كل التفهم بهذا الشأن، فآزرها في ثورتها ضد الاستعمار الفرنسي، بفتح حدوده في وجه الثوار الجزائريين، وقدم الدعم المادي والمعنوي للمهاجرين منهم، ظنا منه أن استقلاله، لن يتم إلا باستقلال الجزائر. لكن الجزائر المستقلة ، تنكرت فيما بعد للجميل ، وضربت بعرض الحائط ، المطالب الترابية المغربية، بحيث لم تف بما تعهدت به له، حكومتها المؤقتة بالمنفى، بخصوص المناطق الحدودية المعنية، وتمسكت - ومن جانب واحد- بما تسميه ب: " الحدود الموروثة عن الاستعمار". بـل وأكثر من هذا ، دأبت على استبدال الجميل بالنكران ومس المغرب في عـمق أمنه و استقراره. لتأتي فيما بعد، وفي ظروف كان يطبعها المكر، لمراودة المغرب عن نفسه، من اجل إبرام اتفاقية ، حول رسم الحدود بين البلدين، سنة 1969 عرفت ب: " اتفاقية أفران" لتنهج بذلك سياسة الهروب إلى الأمام، بدل التحلي بالشجاعة والتعقـل والرجوع إلى حدود الجزائر العثمانية.
اتسمت العلاقات المغربية الجزائرية بتوتر دائم، تكون الجزائر عادة هي المبعث الرئيسي له، بحيث لم تشهد تلك العلاقات أي تحسن أو استقرار منذ استقلال الجزائر، و ذلك بسبب الأنانية التي كانت تدفع دوما بالحكام الجزائريين المتعاقبين، إلى الشعور المفرط بنزعة السمو، والاعتلاء على غيرهم، والانفـراد بالزعـامة، في منطقـة شمـال إفريقيا. مما ساهم ويساهم إلى حـد الآن، في المزيد من التعكير والتعـثر لهذه العلاقة بين البلدين- إضافة إلى مـا يشكلـه لهم مشكل رسم الحدود مع المغرب، من حـرقة في الحلق و من هـواجس مزمنة، نـاهيك عن الاختلاف البين بين النظامين في التوجه الإيديولوجي، و اختلاف الرؤى في القضايا المطروحة على الساحة الدولية، والعربية أو الإقليمية.
تحليـــل :
احتلت فرنسا القطر الجزائري كما هو معلوم سنة 1830، ولم تستطع بسط سيطرتها على الصحراء المغربية الشرقية التي تضم مناطق عين الصفراء، بشار لقنادسة، لعبادلة، وادي الساورة، توات، تيدكلت، عين صالح و منطقة تابلبالة و تندوف، إلا في سنة 1903 وسنـة 1952 فيما يخص منطقة تيندوف. خلدت هذا البسط أو هذا الضم للأراضي المغربية، على صخرة نوقش عليها اسم الضابط الفرنسي " كولومبColomb " الذي قاد هذه العملية، عملية احتلال الصحراء المغربية الشرقيـة. توجد هده الصخرة في مدخل مدينة " بشار " من الجنوب الشرقي لها، على الطريق المؤدية إلى قصور بني كومي و تاغيت، و سميت المدينة باسمه،" كولومب بشار-Colomb Béchar". و كان دخول فرنسا لهذه الأرض المغربية هو مؤشر لبداية فرض الحماية على المغرب، وفقا لما سطر في مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906. لم يستسلم أبناء المنطقة للاستعمار إلا بعد سقوط منطقة تافيلالت سنة 1932، و بعد معارك بوكافر و ساغرو بالأطلس الصغير، و استسلام قبائـــــل ايت عطا، سنة 1934. في حين لم يتم اقتطاع منطقة تندوف من الأراضي المغربية إلا في سنة 1952، رغم المقاومة الهشة للقائد الصنهوري، ومن معه من الرعايا المغاربة من قبـائـل ارقيبات الشرق والشعامبـة. وقع هذا في خضم الأحداث التي بدأت تواجهها فرنسا من الداخل المغربي، و التي تولدت عنها المطالبة، -شعبيا ورسميا-، بالاستقلال، بقيادة العرش العلوي والحركة الوطنية المغربية.
تشبثا بصحرائه الشرقية، استنكر المغرب سنة 1958، التجربة النووية التي أجرتها فرنسا في باطن ارض صحراء ركان Reggan-، حيث استنكر ونـدد بذلك في المحافل الدولية. و لتأكيد مغربية هذه المناطق، اعتنى المغفور له جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، بأ بناء تلـك الأقاليم الفارين من اضطهاد الفرنسيين لهم بسبب عطفهم على الثورة الجزائرية، ومشاركتهم فيها. فاحدث لهم قيادة إدارية ترعى شؤونهم و تحميهم مما قد يتعرضون إليه من مضا يقات من أي كان، في انتظار عودتهم إلى ديارهم وعودة أقاليمهم إلى الوطن الأم، كما عين منهم قائدا لهم ( الصديق بن سالم) على رأس هده القيادة التي سميت باسم " قيـادة ذوي منيع"، انتسـبـا إلى القبيلـة التي تعتبر من اكبر سـاكنة المنطقة بين تافيـلالـت و الشمال الغـربي للصحـراء المغربيـة الشـرقية . لا زالت هده القيـادة، قائمة لحد الآن بعين الشواطر بإقليم فجيج ، منذ التقسيم الإداري الأول للمملكة ( 02/12/1959 ). في حين تكفل الهلال الأحمر المغربي و الصليب الأحمر الدولي بالشرائح الجزائرية الأخرى.
ومن جهة أخرى، ولكسب مساندة المغرب للموقف الفرنسي ضد الثورة الجزائرية، دعت فرنسا المغرب على لسان الرئيس( دوكول- (De Gaules إلى استلام الأراضي التي اقتطعت منه سنتي 1903 و 1952، و إغلاق حدوده في وجه مـا سمتـه ب : الفلاكة-Fellaga ، إشارة إلى الثوار الجـزائريين، الذين كانوا يجدون في الأراضي المغربية المحررة ملاذا لهم، بعد العمليات الفدائية التي كانوا ينفذوها ضد الجيش الفرنسي، داخل عمق الجزائر الفرنسية، و الذين كانت لهم كما هو معلوم، مراكز بالمدن و القرى المغربية الحدودية، و في الشمال، و حتى بالداخل المغربي ( مكناس ، تافيلالت، الناضور، القنيطرة،و العرائش).
لم يقبل المغرب هذا العرض، معلنا على لسان جلالة المغفور له محمد الخامس، أن استقلال المغرب لـن يكون استقلآلا كاملا، إلا با ستقلال الجزائر، وبنأ المغرب العربي الكبير.
ونكاية في المغرب على تصلب موقفه هدا، وضدا على سياسته القومية العربية و الإفريقية التي أبان عنها في أفق موجة الإنعتاق و التحرير التي كانت تتطلع إليها الشعوب الإفريقية، فكرت فرنسا في مكيدة للمغرب، و هي السعي إلى خلق كيان مصطنع بأراضي المغرب، التي رفض استلامها ( كامل الصحراء المغربية الشرقية.) مع العمل مجددا،لهده الغايــة، على بتر إقليم تافيلالت من المغرب المستقل لتؤمن حدود الجزائر الفرنسية وتضييق الخناق على الثورة الجزائرية.
جندت فرنسا لهذه الغرض مصالح استخباراتها العسكرية في القواعد التي كانت لازالت لها ببعض المدن المغربية خاصة في قاعدة "بوذنيب " بإقليم تافيلالت، التي تكون قد اسند الأمر في صياغة وتنفيذ العملية، باستخدامها عملاء محليين (’’)، من قصر الطاوس بقيادة بودنيب، وبعض المجندين الفرنسيين، المتعونين في ميدان التعليم والهندسة المدنية بقصر السوق ، بحيث تمكنت، حسب بعض الروايات الصادرة عن بعض مصادر حزب الاستقلال،( كتا ب للمرحوم علال الفاسي) المخابرات العسكرية الفرنسية من استمالة المرحوم عدي اوبيهي، أول عامل لصاحب الجلالة على اقليم تافيلالت، بمباركة من احـد اعيان قبائل "مرموشة" كان وقتها وزيرا للداخلية. لكن العملية بأت بالفشل، و أقبرت في المهد من طرف الجيش الملكي ،الذي قــام بعمليات تمشيط واسعــة، وتمكن من تجريد الفصائل الموالية للسيد عدي اوبيهي من السلاح، خاصة من قبائل ايت اسغروشن الكبرى ، في كل من قرى : كراندو- الريش - زوية سيدي حمزة - بودنيب - كرامة- و تالسينت - ولقصابي.
كانت حمى موجات التحرير قد بلغت أوجها في إفريقيا و العالم الثالث، كما كانت تبدو في الأفق، رغبة ملحة في خلق تكتلات إقليمية، في ظل الصراع القائم بين الشرق و الغرب. فتولدت عن مؤتمر" باندونك" سنة 1961 منظمة حركة عدم الانحياز بمشاركة فعالة من المغرب. وموازاة مع ذلك كانت حرب التحرير الجزائرية قد حطت اوزارها ، وبد ئت الجزائر المستقلة ، في الانتقال من مرحلة التحرير، إلى مرحلة بناء الدولة، على اشــلأ حكــومة المنفى المؤقتة برئاسة المرحــوم، السيد فرحات عباس،، مثلت الجزائر في مؤتمر الدار البيضاء سنة1961. وهو المؤتمر الذي أرسى قواعد منظمة الوحدة الإفريقية ، بعد توحيد، ما كان يعرف بمجموعتي الدار البيضاء و برازفيل،، وهما مجموعتان كانتا تنطقان باسم الدول الإفريقية المستقلة الفرنكوفونية منها و الانكلوساكسونية، و بعض حركات التحرير الإفريقية الأخرى. ومن بنود ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية الوليدة، بند يبقي على الحدود الموروثة على الاستعمار،،؟ تجنبا للاصطدام بين الدول الإفريقية و شعوبها. لكن هذا البند كان الفصل فيه مسبقا بين المملكة المغربية و الحكومة الجزائرية المؤقتة.
ولإظهار حسن نية الجزائريين، و ردا على موقف المملكة المغربية الايجابي من القضية الجزائرية، و على ما تقدمه المملكة المغربية من دعم مادي ومعنوي للثورة الجزائرية، أبرمت الحكومة الجزائرية المؤقتة سنة 1961 اتفاقا مع الحكومة المغربية يقضي، بل و يوجب على الجزائر بعد الاستقلال، أن تعيد للمغرب الأراضي التي اقتطعتها منه فرنسا سنتي 1903 و 1952 إنصافا للمغرب و إضعافا لأي مبادرة فرنسية جديدة في هذا الأمر، الذي قال عنه السيد احمد عصمان رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار المغربي في برنامج ادعته القناة الثانية المغربية 2m)) يوم 19 أكتوبر 1999 .بأن الرئيسيين الجزائريين ، بن بــلا وبومدين يعتبران هدا الاتفاق قماش من ورق، لا قيمة له" un chiffon de papier sans valeur" .
غضب الجناح العسكري في جبهة التحرير الجزائرية من هذا الاتفاق، وثار على حكومته، وضغط على الجناح السياسي بالجبهة ، إلى أن استقالت هذه الحكومة، و استبدلت بحكومة جديدة برئاسة السيد يوسف بن خدى تحمل تطلعات الجزائريين في إرساء قواعد الدولة الجزائرية، و الحفاظ على مكتسبات الثورة الجزائرية، خاصة منها، الوحدة الترابية لجزائر ما قبل فاتح نونبر 1954، تاريخ اندلاع الثورة الجزائرية.
كانت فصائل جيش التحرير الجزائري النشيطة في المنطقة تضم عددا كبيرا من أبناء المناطق المغربية المعنية باتفاق سنة 1961 الموقع من طرف حكومة السيد فرحات عباس. فطن هؤلاء بنوايا الجزائريين المبيتة لضم مناطقهم، ولم تعد لهم الرغبة في الاستمرار معهم، فالتحق جلهم بأرض الوطن، وسلم السلاح الذي اصطحبوه معهم إلى الدرك الملكي، والسلطات المحلية، و الإقليمية بإقليمي، وجدة و تافيلالت ، ومنهم من استطاع دفن سلاحه ب: منطقة " لعكيدة " بضواحي عين الشعير، قيادة بوعنان بإقليم فكيك، وفضل الحياة المدنية على نهج الكفاح. كما كان منهم من انضم بسلاحه إلى صفوف جيش التحرير المغربي، لمواصلة الكفاح ضد الجيش الفرنسي، و جيش التحرير الجزائري على حد سواء، حيث سجلت معارك معروفة بهذا الخصوص،لازال يحفظها المقاومــون الأحيــاء. وهناك جماعة أخرى، توجهت رأسا في إطار جيش التحرير المغربي إلى منطقة " ايت با عمران " لمواصلة المقاومة ضد الاستعمار الاسباني في الجنوب المغربي، وفي الصحــراء المغربيــة الغربيــة.
و تصديا لهذا الموقف الجديد، تحركت آليات المخابرات العسكرية الجزائرية في جبهة التحرير، فأحدثت مفوضيات سياسية،( des commissariats politiques) أسندت إليها مهمة التصدي لمواجهة العصيان و التمرد، التي قد تجتاح مراكز تجمع المهاجرين بمنطقة تافيلالت( في بودنيب ، بوعنـان، قصر السوق، ارفــود، الريصــاني، الخمليــة، ام ايفيس) ، بعد هروب أبنائهم –و بالسلاح- إلى السلطات المغربية، بعد عملية الابعاد التي باشرها الجناح العسكري بجبهة التحرير الجزائرية، الدي نقل ما تبقى منهم إلى المناطق العسكرية الأخرى على الحدود التونسية في الشرق الجزائـري. ارتفعت وتيرة البطش و التنكيـل، بكل من جهر بمغربية تلك المناطق، فكان الترغيب و الترهيب، الاختطاف و القتل في بعض الأحيان، لإثبات أن نهج الثورة الجزائرية هو جزء لا يتجزأ. في مقابل ذلك كان جيش التحرير المغربي يعمل من جهته، على إفساد كل خطوات الاستخبارات العسكرية الجزائرية، ويدعو إلى التمسك بالخط المغربي، وعدم الانصياع إلى المناورات الجزائرية، مع ما تطلبه ذلك من إجراءات ردعية مضادة، شملت المتعاطفين مع الجزائر، من بعض الأفراد من قبــائل دوى منيــع، أولاد جـرير، والعمــور. وكرد فعــل من السلطة العمومية على هذه السلوكيات، و أمام عجز السلطة الإقليمية بتافيلالت، في احتواء الوضع، تم استدعاء عامل الإقليم السيد الدكتور عبد القادر العراقي الى البرباط، بعد تعيينه بقليل على رأس الإقليم ( شهر ونصف فقط) وتعيين مكانه عاملا جديدا، أكثر صرامة لحسم الموقف، هو الشريف مولاي الطيب بن زيدان. الأمر الذي جعل الناس يطمئنون أكثر، لمغربيتهم و لمغربية مناطقهم خاصة بعد إدماج ذويهم الفارين من الجيش الجزائري في صفوف الجيش الملكي، القوات المساعدة، الأمن الوطني، و الدرك الملكي ( اشرف على العملية الكومندار التجاني بوقرن). للاشـارة في هدا الصدد، فان المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، القائد الأعلى لأركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية كان قــد امــر رحمـه اللـه بترقية متزعمي هؤلاء، إلى درجة ضباط ، برتبة مــلازم، كلا من السادة: عبد المولى البشير عن قبيلة ذوي منيع، – ضيف الله لفضيل المعروف ب: زكريا، عن قبيلة أولاد جرير،- العيداوي لكبير، عن قبيلة لعمور،( رفض هدا الأخير الترقية بهدا الشكل، ما لم تشمل كل رفــاقـه من قبيلته !!..) وبإشراف السيد المحجوبي احرضان وزير الدفاع الوطني آدك.
استقلت الجزائر سنة ،1962 و تنكرت لما تعهد به، من مفاوض فرنسا، باسمها في "ايفيون Evian" على الاستقلال. بل وتنكرت لما أسداه لها المغرب من جميل، ولم تف بوعدها، وتعبر عن النية الحسنة، مند الأيام الأولى للرئيس بن بلة، الذي احتواه المد الثوري الناصري، بعد أن كان هدا المد قد بلغ مـداه في الجزائر، بل و هيمن كليا على القطر الجزائري، وهو في مراحله الأولى من الاستقلال.. إلى درجة أضحى فيها المصريون المتعاونون يأكلون في المطاعم الجزائرية، وستبضعون بأدنات، تؤدي ثمنها الرئاسـة الجزائرية، ,إلى درجـة اخطر، أعلن فيها الرئيس بن بلة، في إحدى خطبه المرتجلة الحماسية، أن بلاده سوف تصبح " محافظة " من محافظة الجمهورية العربية المتحدة " مصر".
في أكتوبر من سنة 1963 تبنت الجزائر المستقلة سياسة الاستفزاز، و دبرت أسبابا واهية لتدفع بالمغرب إلى ما اصطلح على تسميته ب: حرب الرمال. وهي أي الجزائر، لازالت تئن من جروح حرب التحرير. اقتيد المغرب مرغما لهذه الحرب، التي خطط لها النظام المصري الناصري بمعية كلاب ضالة من المغرب (مجموعة الفقيه البصري والعقيد بن حمو)..../،فكانت معارك على الحدود المغربية الجزائرية، " بحاسي بيضاء وتنجوب". و جاء سقوط الطائرة المروحية الجزائرية في الأسر، في في قرية مغربية، عين الشواطر، التي كانت تابعة إداريا أنداك لإقليم قسر السوق (تافيلالت) و على متنها، خبراء عسكريين مصريين، ضباط كبار، جاؤوا لنجدة الجيش الجزائري ضد المغرب/ من بينهم الضابط الطيار محمد حسني مبارك الذي تألق فيما بعد ليصبح رئيسا لجمهورية مصر العربية. و القبطان اليمين زروال الذي ترأس الجزائر، فيما بعد، في الفترة ما بعد الشادلي بن اجديد.
اكتشفت المؤامرة، وخرج المغرب منها منتصرا. ولم تفض الوساطة العربية أو الإفريقية إلى شيء. فشلت كلها في تقريب و جهات النظر المتباينة، حيث كان دلك، أول امتحان لمنظمة الوحدة الإفريقية، فشلت فيه إلى حد بعيد... إلى أن جاءت مبادرة وساطة من الاتحاد السوفيتي سنة ،1964 حيث زار الجزائر و المغرب الرئيس " بريجنيف" الذي اشرف على إبرام اتفاق بين البلدين، حول الاستغلال المشترك لمنجم الحديد ب: غار جبيت بضواحي تندوف..، في انتظار تسوية مشكل الحدود. فتبين فيما بعد أن هذا الاستغلال غير ممكن، لأن تكلفة النقـل من عين المكان، عبر بلدة القنادسة، بالسكة الحديدية إلى مواننئ» ارزيو -وArziw و الغزوات « Lghazawat - بالجزائر جد مكلفة. وكان الرئيس بن بلة قد صرح تملئي فمـه، عقب هذه الوساطة، أن إمكانية عودة منطقة تندوف إلى المغرب ممكنة و لا تشكل للجزائر أي إحراج.
في 19 يونيو 1965 أطيح بالرئيس بن بلة، و جاء ما يعرف بمجموعة وجدة برئاسة الكولونيل هواري بومدين" محمد بوخروبة" لتدبير شؤون الجزائر، و لتصحيح الوضع الفوضوي الذي أغرقت فيه الجزائر، وهي في بداية الطريق. رحب الرأي العام المغربي بهذه الخطوة، ترحيبا نابعـا من عمق الروابط الأخوية، و تمنى بكل صدق للشعب الجزائري، تجاوز كل ما حدث في عهد بن بلة، متطلعا إلى أفاق أفضل في علاقته مع الفريق الجزائري الجديد، وفقا لما تحتمه، الجغرافية،و الروابط التاريخية، و العروبة، و حسن الجوار، خاصة وان عنصرين من هذا الفريق، عاشا بالمغرب لفترات طوال: (1954-1962).
1- السيد هواري بومين، كان إبان حرب التحرير ضابطا منسقا للعمليات العسكرية بين فجيج و الناضور يعرف ب: الكماندار سليمان.
2- عبد العزيز بوتفليقة هو أكثر من غيره من المجموعة من يعرف المغرب لأنه ازداد و تعلم فيه و تمدرس بثانوية عبد المومن بوجدة.
توالت الزيارات بين البلدين، و تحسنت العلاقات نسبيا، مما دفع بالجانبين إلى دعم هذه العلاقات و الدفع بها إلى ما فيه خير الشعبين الشقيقين، و ذلك بالبدء في حسم ملف الحدود بصفة نهائية.
لا احد يشك في أن الجنرال محمد أفقير كان من ركائز و دعائم النظام في المغرب، أبان عن ولائه، و اخلاصه للعرش العلوي، منذ أن كان ضابطا صغيرا، مما أهله إلى كسب الثقة الملكية، و تكليفه دون سواه، بملف الحدود مع الجزائر.
انكب الجنرال أفقير على الملف ،وقام باتصالات عديدة مع الجزائر في هذا الشأن، استعدادا لإبرام اتفاقية في الموضوع. من اجل ذلك استدعى إلى الرباط في أواخر سنة ،1968 رؤساء الجماعات القروية الحدودية، لجلسات عمل مع خبراء عسكريين مغاربة و جزائريين، لمعرفة امتداد كل جماعة على الخريطة، و تدقيق النقط الجيوديزية Géodésiques)) ،المرشحة لتكون أساس الاتفاقية. في وقت كان قد وضع على رأس كل القيادات الإدارية المتواجدة بشريط الحـدود – من اكـدز باقليم وارزازات، الى تندرارة باقليم وجـدة، لاسكا ت الرأي العام المحلي المعني بالأمر، و تمرير الاتفاقية بهـدوء، دون أي اعتراض، أو ردة فعل مناوئ ، من طرف الرأي العام الوطني.
وكان هؤلاء الإخوة- القواد، يقولون في مجالسهم الخاصة، ما مفاده، أن هذه الأراضي، بساكنتها، سوف لن تزيد للمغرب، في حالة استرجاعها، إلا عبئا جديدا في الميادين الاقتصادية و الاجتماعية. وهدا ما كان يعكس حتما، وجهة نظر أخيهم الخاصة،، !!! وهو من أهم العناصر المؤثرة على القرار على الصعيد المركزي، و الذي كان وقتها، وبخبث دفين، يطالب بإلغاء قيادة ذوي منيع المشار إليها أعلاه، لأنها كانت تثير حفيظة الجزائريين، حسب اعتقـاده،،?? فتلقى ردا حكيما من جلالة المغفور له الحسن الثاني، يقول :" إن الحسن الثاني لا يقطع ابدا شجرة، غرسها محمد الخامس".
فكانت اتفاقية سنة 1969 المعروفة ب: اتفاقية افران، وقع عليها بالأحرف الأولى الرئيس هواري بومدين ووزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة ، بمدبنة افران. للتذكير فان الاتفاقية لم تأت بجديد لصالح المغرب حيث أبقت" ما كان على ما كان Statu quo) " . لان الجنرال أفقير كان يسعى إلى طي هذا الملف بأي ثمن، ولو على حساب مقدســات الوطن الترابية..ضعف ، أو تعمد الضعف ، أمام أبناء عمومته، و حن إلى موطن أجداده عين الشيخ- ما يعرف اليوم ب: البيض أو ابيض سيد الشيخ بغرب الجزائر، ولاية النعامة حاليا، الذي ينحدر منه أصلا – جاء منه أبوه الباشا، وليس جـده. فكان جزاؤه أن اخذ " شيكا بترو- دينار، على بياض" تسلمـه من صانع الاتفاقية الثاني عبد العزيز بوتفليقة..، فكانت للجنرال أفقير، هده هي بدايــة الخيانــة الكبرى فيما بعد.( المصدر،احد الملحقين السابقين بالديوان الملكي).
بالرغم من ذلك، ورغبة من سيدنا المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، في تسوية هذا الملف، و طيه نهائيا، توجه رحمه اللـه إلى مدينة تلمسان بالجزائر سنة 1970 ، للتوقيع على الاتفاقية عن الجانب المغربي، على أن لا تكون سارية المفعول، إلا بعد المصادقة عليها من طرف برلماني البلدين. بل أكثر من هذا، وللتعبير عن حسن نية المغرب في تسوية هذا الملف الحدودي مع الجزائر، كان قد صرح من على منصة مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية المنعقد بالرباط يوم 25 يوليو 1972، أن موافقة المغربي على اتفاقية افران الحدودية لا رجعة فيها. في حين كانت الجزائر المندفعة قد دعت فيما قبل ذلك برلمانها – المجلس الوطني الشعبي- إلى المصدقة على تلك الاتفاقية، ظنا منها أن المغرب يتعمد البطء و يتما طل، وانه غير صادق في هذا الشأن.( باش ما بــاع السارق، اربح !! ، كما نقول بالعامية المغربية).
ساءت من جديد العلاقات المغربية الجزائرية على اثر أحداث مارس 1973، حين جندت الجزائر و ليبيا الكلاب الضالة من المغاربة، بمساعدة محمد البصري- الفقيه البصري- و سعيد بونعيلات عن الاتحاد الوطني للقوت الشعبية و الكولونيل بن حمو، عن المجموعة المتمردة عن جيش التحرير المغربي. وقد مرت على فشل محاولتهم الأولى في مخطط- حرب الرمال- عشر سنوات. أقول ، دفعت بهم الجزائر مرة أخرى إلى الاعتداء على بلادهم.، فكان أن أدخلوا السلاح عن طريق مدينة فجيج، و كانت أحداث اغبالو انكردوس بإقليم قصر السوق، و اكلمـوس- مولاي بوعزة بإقليم خنيفرة. هذه الأحداث التي لم تزد المغرب، إلا يقظة وعزما ، على التصدي لكل الأطماع و المحاولات الخارجية التي كان دائما مستهدفا لها ، بغية زعزعة أمنه واستقراره، في ظل الحرب الباردة بين الشرق و الغرب، ودلك لمتوقعه في منطقة استراتيجيه من العالم تسيل اللعاب، خاصة للمعسكر الشرقي بقياد’ الاتحاد السوفياتي سابـقا.
رغم فشل المؤامرة وضلوع النظام الجزائري فيها ، راح الرئيس هواري بومدين يتحالف مع ليبيا و يستغــل سذاجة و قدافيات الرئيس الليبي معمر ابو منيان القدافي، و يعاود الكرة مرة أخرى، لكنها كانت هده المرة أكبر و أقوى من سابقاتها ، بقدر دوافع الغرور و العجرفة التي كانت تنتابه ، ولازالت هي مبتغى كل حكام الجزائر إلى الآن، و التي تجعلهم يتطلعون، بلا جدوى إلى تقمص دور الريادة في المنطقة، و الانفراد بزعامتها وذلك لإضعاف المغرب أولا، و شغله بما قد ينسيه مطالبه الترابية في الصحراء المغربية الشرقية ثانية، فهبوا إلى مساعدة ما سمي- للاستهلاك الداخلي- ب: " الشعب الصحراوي". وجندوا كل وسائل الجزائر المادية و العسكرية، لصنع كيان موالي لرغبتهم الهيمنية- نقلا عن الفكرة الفرنسية - حتى ينفذوا إلى المحيط الأطلسي و يمكنوا الجزائر من بسط سيطرتها عن المنطقة، و بالتالي استغلال منجم " غار اجبيلات " الحديدي، مع إقصاء المملكة المغربية طبعا ، و فصلها عن امتدادها لتاريخي و الجغرافي، ظنا منهم أنهم يستطيعون تحقيق ما فشلت فيه فرنسا في الجنوب الشرقي للمملكـة في نهاية الخمسينات( واقعة العامل عدي اوبيهي بتافيلالت).
لا مجال للإسهاب في سرد تفاعلات قضية وحدتنا الترابية في الجنوب، أو ما قد تؤول إليه في النهاية . إلا أن فشل النظام لجزائري في هذه العملية، و دحره مبكرا في بئر انزران، و كلتة زمور، وامكالا1 وامكالا 2، سنة 1976، جعله يتحين الفرص للإساءة دائما إلى المغرب ، بكل ما أوتي من جهد ووسائل. ولم تكن وفاة الرئيس بومدين سنة 1978، لتأتي بفرصة تليين العلاقـة المغربية الجزائرية،. بل جاءت لتحقن دماء جديدة في المكر الجزائري ،حيث عمل الرئيس الجديد الشـادلي بن جديد ، ومن ورائه الآلية العسكرية التي حاولت اجترار المغرب من جديد إلى فتح جبهتا أخرى، و استفزازه سنة 1984..، بعدما ثبت لها انه أبان عن بسالة و فعالية قواته في الصحراء المغربية، حين تم الاعتداء على مركز الحراسة المغربي ب: " عش البرابر" من على " حمادة كير" بضاحية بودنيب باقليم الرشيدية ، وقتـل، واسر، و تشريد حراسه من المخازنية . وفي نفس السنة قامت السلطات العسكرية الجزائرية- و من جانب واحد- - بتجسيد اتفاقية افران على ارض الواقع، بوضعها معالم و إشارات على طول الحدود. كما هاجمت الرحل المغاربة، لترهيبهم و إجبارهم على مغادرة محطاتهم المعتادة. ثم منعت أهل زاوية الحجوي بقايدة بوعنان باقليم فجيج من استغل حفر الملح التي دأبوا على استغلها بوادي زلمو، وصادرت المساكن و المزارع و أشجار النخيل التي وجدت على الضفة الشرقية للوادي ، بدعوى انه الحدود الطبيعية الفاصلة بين الجزائر و المغرب. بالمقابل، و تجنبا لأي اصطدام محتمل مع الجيش الجزائري، قامت السلطات العسكرية المغربية بالجلاء عن مركز الحراسة المغربي الكائن على سطح الجبل الأحمر شرق جماعة بوعنان.
وبعد انفجار الوضع الأمني بالجزائر وجيء بالرئيس محمد بوضياف ، ابلغ جلالة الملك الحسن الثاني تغمده الله برحمته الواسعة، هذا الأخير، نية المملكة المغربية في المصادقة على اتفاقية افران، للتعبير عن حسن نية المغرب في فتح صفحـة جديدة مع جزائر التعددية، إلا إن هذا كان احد الأسباب التي أدت إلى اغتيال الرئيس بوضيا ف الذي كان ينعته الطابور الرابع الجزائري بالحسن3، إشارة إلى قدومه من منفاه الاختياري بمدينة القنيطرة بالمغرب، تفاديا لأي تحسن قـد يطرأ على العلاقات المغربية الجزائرية .
في سنة 1994، ثبت أن المخابرات الجزائرية جندت عملاء لها فرنسيين من أصل جزائري لتفجير فندق" اسني بمراكش، مما ترتب عنه إغلاق الحدود بين البلدين إلى الآن.
في سنة 1996 أقامت الجزائر الدنيا و لم تقعدها بعد أن صرح السيد محمد بوستة بصفته الأمين العام لحزب الاستقلال في برنامج" في الواجهة" الذي كانت تقدمه القناة الثانية المغربية ، أن سياسة حزبه الخارجية، ستكون في حالة مشاركته في الحكومة ، حول العمل على استعادة المناطق المغربية المحتلة في شمال المملكة و في جنوب شرقها. فجندت الجزائر وسائل إعلامها على مختلف مشاربها ، للتنديد بموقف حزب الاستقلال من قضية الحدود المغربية الجزائرية الشرقيـة.
خلاصة:
إن قضية حدود البلاد وسلامة أمنها هي بالدرجة الأولى قضية دولة ، وليست قضية أفراد أو جماعات معينة. واذا كان ابناء المناطق المعنية باتفاقية الحدود مع الجزائر هم أصلا مغاربة من الدرجة الأولى ( ذوي منيع – أولاد جرير – العمور – أهل القنادسة- أهل توات ووادى الساورة...) التحقوا بأرض الوطن إبان الحرب التحريرية الجزائرية، فإنهم انصهروا عبر السنوات في المجتمع المغربي بطريقة طبيعية، تجعل لهم ما لهذا المجتمع من حقوق ،و عليهم ما عليه من واجبات اتجاه الوطن، غير ان منهم من قضى نحبه ، ومنهم يحلم بالدخول يوما إلى مدينة بشار، و بيده الرايـة المغربية. ومنهم من انصرف كليا عن الخوض في الموضوع، إيمانا منه بان- للبيت رب يحميه-. كما أن منهم من ينتظر، وهو قلة قليلة من المتقاعدين الجنود، الدين كانوا في السابق مكممي الأفواه، طوال حياتهم العملية في الجيش لملكي، وهي قلة ، ليس لها أي إلمام بالموضع، ولا تعرف الأبعاد السياسية ولا الإستراتيجية المرتبطة بقضية الحدود مع الجزائر،، حيث اتصلت هذه الفئة سنة 1998 بالراحل الفقيه البصري بغية إثارة هذه النازلة مجددا مع حكومة السيد عبد الرحمان ليوسفي الأولى ، دون جدوى.لان " فـاقـد الشيء لا يعطيه".
و مهما يكن، فان رعايا صاحب الجلالة نصره الله المنحدرين من الصحراء المغربية الشرقية، لينحنون إجلالا واحتراما لما قد يكون للسدة العالية بالله من قرار صـائب في هدا المجال، للرأي الملكي السديد في هذا الشأن « قـدسية لا تناقش..، ولا يوجد احد منا أكثر حرص، من حرص جلالة الملك على وحدة البلاد الترابية، و على ما قد يفيد أجيالها الحاضرة و المقبلة.
وإذا كان للجزائر رغبة دائمة في اتخاذ موقف معاد للمغرب ورفضها لليد الممدودة، فان ذلك لا ينال من عزمه شيئا في الحوار معها، متحليا بالصبر و الرصانة و التبصر إلى أن يغلب خيره شرها ، وفقا لما سنه جد الدولة العلوية الشريفة المولى الحسن الشريف (الحسن الداخل) ، وهذا ما يؤهله لمعرفة كيف يتعامل مع مجتمع- جار سوء، أحمق، لا يكتمل عقل الفرد فيه إلا بعشرة. فالفترات المليئة بالمتاعب التي تتسبب فيها الجزائر للمغرب من اجل تقزيمه، إنما هي مؤقتـة، سيعمل الزمن لا محالة على الإتيان يوما ببوادر انفراجها مهما كانت( عقليات الحكام الجزائرين ( سابقا أو لاحقا)، إن المصير مشترك، تحكمه الجغرافية و العلائق العرقية و التاريخية.ولا يتوقع ان يصدر اليوم عن مريض بحمى قوية، إلا الهدير . لكن حكمة نظام المملكة لمغربية غالب في النهاية لدحر النوايا السيئة للجزائريين، الذين القوا بأنفسهم في حالة استنفار دائم، لمواجهة الأخطار التي تعتقدون أنها آتية لهم من حدودهم الغربية.
مع تحيات : شهاب-25